كيف تم رفع قضية الصحراء الغربية لمحكمة العدل الدولية وماذا حدث في كواليسها?



يوم 16 اكتوبر 2015م تكون مضت أربعين سنة على صدور تقرير محكمة العدل الدولية الخاص بالصحراء الغربية، وهو قرار عرف الكثير من التلاعب السياسي، ومع ذلك كانت نتيجته إيجابية عموما..
 كانت الجمعية العامة قد عرفت ترددا وتقهقرا في قرارها 3162 لسنة 1973م، نتيجة للضغوطات التي مارس المغرب في اروقة الامم المتحدة، فجاء ذلك القرار بلاروح ولا حرارة مما شجع المغرب مرة اخرى ان ينتهج نفس السياسة وهي اللعب وراء الكواليس والستائر وفي المطابخ. يوم 13ديسمبر 1974م صدر القرار 3292(29) القاضي برفع قضية بالصحراء الغربية إلى محكمة العدل الدولية وهو قرار من اقتراح كل من فولتا العليا الموالية لفرنسا والعراق التي كانت تؤيد المغرب. أيدت القرار 35 دولة منها 19 دولة عربية شاركت في قمة الجامعة العربية التي انعقدت في الرباط في كتوبر 74م وامليت عليها ادوارها في المسرحية من طرف المخرج الملك المغربي. صدر القرار ووراءه وضعت علامات استفهام كبيرة.. كان اكثر أشتباها فيه من قرار الدورة التي انعقدت سنة 1973م. حدث الخطأ الثاني.. تم بناء هذا القرار على مقترحات مغربية حرفية الى درجة تجعلنا نشك ان القرار محرر حرفيا ومتبنى من طرف المغرب وليس من طرف الجمعية العامة. ماذا حدث.؟ رفعت القضية الى محكمة العدل الدولية وأجل الاستفتاء بناءا على طلب المغرب!!
اشتمل القرار على عدة نقاط سياسية أكثر منها قانونية، وتحمل الكثير من التناقض. في القرار ذكرت الجمعية العامة بكل قراراتها السابقة الخاصة بالصحراء الغربية، وألحت على تطبيق القرار 1514، ثم أضافت:
- تؤكد حق تقرير المصير لسكان الصحراء الغربية طبقا للقرار 1514.
- تقرر الجمعية العامة طلب من محكمة العدل الدولية - دون المساس بتطبيق مباديء قرار 1514- ان تقدم في وقت لاحق رأيا أستشاريا حول إجابة الاسئلة التالية:-
1- هل كانت الصحراء الغربية، غداة استعمارها من طرف اسبانيا، أرضا بدون سكان.؟
2- اذا كان جواب هذا السؤال بالنفي، ماهي الروابط القانونية لهذا الاقليم مع المملكة المغربية والمجموعة الموريتانية.؟
 -النقطة 3:- تدعو القوة الاستعمارية فورا الى تاجيل الاستفتاء الذي كانت عازمة على إجرائه، مادامت الجمعية العامة لم تعلن عن السياسة التي ستتبع لتسريع مسار تصفية الاستعمار طبقا لقرار 1514 في احسن الظروف على ضؤ الراي الاستشاري الذي ستقدمه المحكمة.
ان القاء نظرة سريعة على القرار تظهر انه قرار قاسي في روحه ويحمل فوضى من التناقضات. كان مخيبا لأمال الصحراويين الذين انتظروه بصبر. راوا تقرير مصيرهم يبتعد عن اعينهم شيئا فشيئا فرسموا الكثير من علامات الاستفهام وراء اسئلة مبهمة بلا اجوبة.
- كيف يبنى القرار على مقترحات مغربية وموريتانية.؟
- لماذا ترفع القضية الى محكمة العدل الدولية وبقرار من الجمعية العامة مع تقييدها بالاجابة على اسئلة محددة.؟
- في القانون كان يجب ان يحدث توافق بين المغرب واسبانيا على صيغة الخلاف ثم يرفعا القضية الى محكمة العدل الدولية، لكن أسبانيا انكرت ان تكون لها خلافات مع دولة مجاورة ومع هذا أحيلت القضية الى محكمة العدل الدولية بناءا على طلب المغرب بمفرده. حتى صيغة السؤال نفسها غير واضحة. فإذا كانت عبارة: هل كانت الصحراء الغربية غداة استعمارها من طرف اسبانيا ارضا بدون سيد، هي عبارة واضحة، فلماذا تذييل بإضافة، ماهي الروابط القانونية لهذا الاقليم مع المملكة المغربية والمجموعة الموريتانية.؟
- ان النقطة السوداء في القرار، بالاضافة الى رفع القضية الى المحكمة، هي تأجيل الاستفتاء وتصفية الاستعمار من الصحراء الغربية هو الذي أُجل ثماني سنوات من قبل بسبب تماطل اسبانيا وتردد الامم المتحدة. لقد حرم هذا التاجيل المتعسف الصحراويين من ممارسة حقهم في تقرير المصير والاستقلال مثل باقي الشعوب، وفتح الابواب امام تشريدهم واحتلال وطنهم من طرف استعمار جديد. ان الاقتراحات المغربية التي تم بناء القرار على اساسها بدأت منذ يوم 17سبتمبر 1974م عندما اعلن ملك المغرب في ندوة صحفية انه يطلب رايا استشاريا من محكمة العدل الدولية حول الحالة القانونية للصحراء غداة استعمارها من طرف اسبانيا، وأضاف ان اسبانيا إذا رفضت اللجؤ الى المحكمة، فإن الامم المتحدة ستطلب رايا استشاريا وتفرض على اسبانيا ذلك، كأنه كان متأكدا ان الامم المتحدة سترفع القضية فعلا الى المحكمة. ونطرح الآن سؤالا كان مطروحا من قبل وهو هو كيف تبني الامم المتحدة قراراتها على مقترحات مغربية في وقت ظهر فيه بوضوح ان المغرب يرفض تطبيق القرار 1514 في الصحراء الغربية، ويعارض اي استفتاء لايشارك هو فيه. ان تبني القرار 3292 بناءا على مقترحات مغربية ساهم كثيرا في تأزم القضية والحل، وشكَّل انحرافا خطيرا في مسار تصفية الاستعمار من الصحراء الغربية ومسار السياسة التي انتهجتها الامم المتحدة بشأن تقرير مصير الشعب الصحراوي منذ سنة 1966م. لقد كانت النقطة الريئسية في مسار سياسة الامم المتحدة اتجاه الصحراء الغربية، هي انها كانت تلح على اسبانيا ان تقبل تنظيم الاستفتاء في الاقليم تحت اشرافها وتتبنى مقترحات اسبانيا في هذا المجال،  لكن حين اصبحت اسبانيا مستعدة لإجراء الاستفتاء انقلبت الامم المتحدة على سياستها القديمة وانتهجت سياسة جديدة لما بدأت تبني قراراتها على مقترحات مغربية.
- القضية امام المحكمة.
- رفعت القضية بسرعة الى المحكمة امام حيرة الجميع..
يوم 17ديسمبر 1974م يكتب الأمين العام كورت فالد هايم الرسالة التالية الى محكمة العدل الدولية.
" لي الشرف ان اخبركم ان الجمعية العامة في اجتماعها العام رقم 2318 المنعقد يوم 13ديسمبر 1974م قد تبنت القرار رقم 3292 حول قضية الصحراء الغربية(...) في القرار المذكور انفا فإن الجمعية العامة قررت ان تطلب من محكمة العدل الدولية ان تعطي رايا استشاريا حول الاسئلة التالية، دون الاخلال بالمباديء الواردة في القرار 1514 للجمعية العامة.
-1- هل كانت الصحراء الغربية غداة استعمارها من طرف أسبانيا أرضا بدون سيد.؟
- إذا كان الجواب بالنفي.
2- ماهي الروابط القانونية لهذا الاقليم مع المملكة المغربية والمجموعة الموريتانية.؟
- لي الشرف ايضا ان ارفق مع الاسئلة نسخة بالفرنسية والانجليزية لنص القرار، وطبقا لبند 51 من قانون المحكمة سأرسل لكم كل وثائق الامم المتحدة من أجل ايضاح المسألة.
كورت فالد هايم الامين العام.
دونت الرسالة  يوم 21ديسمبر 1974م في كتاب الضبط لتصبح القضية الصحراوية هي القضية رقم 61 في تاريخ المحكمة.
انحرف مسار تصفية الاستعمار في الصحراء عن خطه واختلطت الاوراق. حدثت ضجة كبيرة في قاعات الامم المتحدة بعد القرار القاسي، واجمع الجميع ان القرار 1514 قد اصيب في الصميم، مادام تقرير مصير الشعب الصحراوي قد أصبح محل شك. البعض اعتبر ان اسبانيا إذا رفضت كل قرارات الامم المتحدة فهي محقة في ذلك مادامت مستعدة لتقرير مصير الشعب الصحراوي عن طريق استفتاء. حدثت زوبعة كبيرة وثارت العاصفة، وقال بعض الوفود صراحة ان الاسئلة هي اسئلة سياسية وغير قانونية وليست من اختصاص المحكمة. أصبحت الكرة في مبنى الامم المتحدة وتخوف البعض من ان الاستفتاء لن يتم في المستقبل القريب. حدث انقسام خطير بين اعضاء الجمعية العامة وامتنع الثلث عن التصويت على قرار 3292 وهي سابقة لم تعرفها الامم المتحدة من قبل، بينما الذين صوتوا لصالحه قالوا ان الامم المتحدة تعهدت من فوق منابرها ان روح القرار 1514 لن تمس وانها سترسل بعثة تقصي الحقائق.*
بدأت سنة 1975م بداية حزينة في الصحراء الغربية وقاتمة تماما. كان كل شيء غامض. كانت اسبانيا  تفكر ان تبدأ ترتيبات الاستفتاء مع بداية السنة لينتهي كل شيء مع منتصفها، والبوليساريو كانت مرتاحة لذلك بحذر، فهي متاكدة ان الصحراويين اصبحوا في وضع جيد للتعبير عن مطامحهم في الاستقلال التام، رغم ماتقوم به اسبانيا من لف للخيوط حولهم.. وحتى لو فازت اسبانيا بالنتيجة، وهو أمر مستبعد 99 بالمائة، فإن البوليساريو لن تسلم اسلحتها وستواصل الكفاح لإن اسبانيا لن تصمد طويلا، وان الاستقلال هو الحالة القانونية في النهاية، وأية نتيجة غيره هي نتيجة مزورة.. جاء الشتاء قارسا تلك السنة، وكانت ملامح الوضع تشير الى ان سفينة تقرير المصير قد تم تحويلها الى مرفا اخر. يوم 17فبرائر 1975م يجتمع فرنكو بحكومته للمرة الاخيرة، ويؤكد ان الصحراء جزء من التراب الاسباني وإذا منح لها الاستقلال فهو حكم ذاتي فقط،* بعدها دخل حالة المرض الطويلة.

في الحقيقة قرار الامم المتحدة 3292 (د29-75م-) تعامل مع القضية الصحراوية والقانون الدولي على اساس خلق نوع من التوازن ظاهريا، لكن مائل باطنيا، مما جعل المراقبين يطلقون عليه:  التوازن المائل. ان تأجيل الاستفتاء ورفع القضية الى المحكمة وُضع من طرف الامم المتحدة في كفة واحدة، واعتبر المحللون ذلك اجحاف في حق الشعب الصحراوي ومبدأ تقرير المصير معا وخرقا لقرار 1514. وحتى لاتبقى الكفة مائلة لصالح المغرب قررت الامم المتحدة ارسال بعثة لتقصي الحقائق الى الصحراء لخلق التوازن، لكن ذلك لم يُحدث اي توازن في مجريات الاحداث. مالذي يمكن ان تفعله البعثة في التأثير على رفع القضية الى المحكمة وتأجيل الاستفتاء او مراجعة القرار المذكور.؟لقد سارت الاحداث والوقائع في إتجاه تاثير ثقل القرار وهو رفع القضية الى المحكمة وتأجيل الاستفتاء وبقيت الكفة الاخرى(مفعول تأثيرإرسال البعثة) معلقة في الهواء.
إذا كانت الامم المتحدة بفعلها هذا تحاول ان تظهر نفسها انها حكم عالمي وتضع القضايا في الميزان فإن مافعلته بشأن قضية الصحراء الغربية أثار الكثير من الجدل لإن التوازن الذي خلقته ( رفع القضية الى المحكمة، تأجيل الاستفتاء ‍‌في كفة وفي الكفة الاخرى ارسال بعثة الى الاقليم) كان توازنا مائلا وبدون نتيجة لإن القضية ستسير في اتجاه التأزم بسبب أن النقطة الريئسية قد تم تجاوزها تقريبا وهي تنظيم استفتاء تقرير المصير.
ان الدليل ان الامم المتحدة ارسلت بعثة تقصي الحقائق، المنصوص عليها في كل قرارات الامم المتحدة ومنذ سنة 1966م والتي رحبت بها البوليساريو لتخرج من السرية الى العلن، هو نوع من خلق التوازن لقرار تأجيل الاستفتاء ورفع القضية الى المحكمة، يظهر من خلال تزامن مباشرة البعثة لعملها مع بداية مرافعات المحكمة حول القضية الذي تم في نفس اليوم وهو يوم 12ماي 1975م، وثانيا من خلال تقديم الراي الاستشاري للمحكمة وتقرير البعثة في نفس اليوم تقريبا وهو 15- 16 كتوبر 1975م. وثالثا اسندت رئاسة البعثة للسفير سيمون اكي من ساحل العاج وكذا كان القاضي المؤقت (Ad- hoc ) للقضية في محكمة العدل الدولية هو الفونسو بوني من نفس البلد.
ان كل ماحدث لايمكن ان يكون مصادفات، لكن أعمال مقصودة لخلق توازن لم تتوفر شروطه اصلا. لقد كان القرار 3292( د29) بداية لسلسلة من القرارات اللاحقة التي طبقت فيها الامم المتحدة خلق سياسة التوازن المائل.
- كواليس المحكمة:
أصبحت القضية في كواليس محكمة العدل الدولية الداخلية. يحدث تسارع فوضوي في كرونولوجيا أحداث القضية. كان هناك شبه ماراطون ضد الوقت خوفا من شيء ما قد تحبل به الساعات قريبا.
يوم 3جانفي 1975م يكتب ريئس المحكمة الى كل الاطراف يخبرهم،  ان يوم 27مارس 1975م سيكون اخر اجل لاستقبال الوثائق المكتوبة والمعلومات التي تساعد المحكمة في دراسة القضية. كان مضمون الرسالة يحمل تاريخ استلام الوثائق فقط وليس بها أي طلب اخر ايَّا كان نوعه. يسابق المغرب الاحداث والدول التي تهمها القضية، ويكتب رسالة يوم 25مارس 1975م يخبر فيها ريئس المحكمة ان المغرب عين السيد الفونسو بوني ريئس المحكمة العليا في كوت ديفوار كقاضي مختص( Ad- hoc ) اثناء مرافعات المحكمة حول قضية الصحراء الغربية. كان هناك تساؤل اخر حول هذا التعيين، فريئس المحكمة لم يكن قد طلب من الأطراف ان تعين قاضي تحقيق مختص، ولم يحدد سوى تاريخ استلام المحكمة للوثائق المكتوبة، اما الشطر الثاني من التساؤل فكيف يتم تعيين ريئس محكمة كوت ديفوار كقاضي مختص من طرف المغرب في وقت يعين فيه السيد سيمون اكي كريئس للبعثة الاممية الى الصحراء الغربية وهما من نفس البلد.؟
بايعاز من المغرب حذت موريتانيا، التي دخلت اللعبة، حذوه، فكتبت يوم 26 مارس رسالة الى رئيس المحكمة تخبره انها توافق على تعيين السيد الفونسو بوني كقاضي تحكيم مؤقت.
يوم 26مارس 1975م تكتب الحكومة الاسبانية الى رئيس المحكمة انها بعثت الوثائق المطلوبة منسوخة، وفي اليوم الموالي تكتب الحكومة المغربية انها فعلت نفس الشيء. كل شيء كان يتم بسرعة ضوئية. يوم 14افريل 1975م تشكلت بعثة تقصي الحقائق وفي نفس اليوم بعث كاتب ضبط الامين العام رسالة الى الاطراف يخبرهم ان بداية المرافعات الرسمية في المحكمة سيكون يوم 12ماي 1975م وهو التاريخ ذاته الذي ستصل فيه البعثة الى مدينة العيون الصحراوية. في يوم 21 افريل يبعث ريئس المحكمة السيد لاش رسالة يطلب فيها من الاطراف ان يعينوا، بالاتفاق، قاضي تحقيق مؤقت لقضية الصحراء، على ان يكون التعيين قبل 12ماي 1975م، وهو التاريخ الذي سبقه المغرب وموريتانيا بحوالي شهرين، عندما سارعا الى تعيين القاضي الفونسو بوني من كوت ديفوار. وفعلا عيِّن السيد بوني، المقترح من طرف المغرب وبتزكية موريتانيا - دون ان تعارض اسبانيا ذلك- قاضيا مؤقتا امام المحكمة.
بدأت الجلسات يوم الاثنين 12ماي 1975م واتى كل طرف باوراقه السرية وحججه.
 الوثائق تثبت ان البلاد الواقعة بين وادي سوس ووادي درعة ليست للمغرب تاريخيا.
   وأتضح للمراقبين السياسيين والصحافة ان العملية هي أقرب اليها مسرحية من عمل محكمة، فالصحراويون أصحاب القضية الشرعيين مغيبين عن المحكمة تماما، ولم يحضر منهم اي احد والمذكرة التي بعثت البوليساريو للمحكمة لم يتم التطرق إليها أو قبولها.. إرتفع مؤشر الغضب عند الصحراويين تلك الايام الى درجة الانفجار، وتسآلوا لماذا لم يحضر منهم احد الى المحكمة التي ستبت في قضية ارضهم. قالوا تلك الايام: المهم ان يحضر منا احد حتى لاتحدث المرافعات بدون حضورنا..
بدأت وسائل الاعلام تتحدث عن المرافعات التي تتم في سرية تامة في كواليس محكمة العدل الدولية بلاهاي دون حضور احد. بداية المرافعات كانت تقديم الوثائق التاريخية المكتوبة والملفات التي استلمتها المحكمة . لم يسمح لأحد سواء من القضاة او من المتنازعين ان يخل بتسيير الجلسات. كانت هناك اعتراضات شفهية كبيرة من طرف أسبانيا على بعض الرسائل والمراسيم التي بعثتها المحكمة اليها، لكن باب الاعتراضات ظل موصدا الى غاية المداولات الشفهية. في الوثائق المغربية المقدمة يدعي المغرب ان الصحراء الغربية جزء لايتجزأ من مملكته، لكن بدون ادلة. كشفت الادلة والوثائق التي قُدمت للمحكمة، على اساس اثبات تبعية الصحراء لحكم سلاطينه، مشكلة اخرى وهي ان هناك ارضا كبيرة اخرى تفصل بين المغرب الاقصى والصحراء لم تثبت تبعيتها تاريخيا للمغرب، وهي المنطقة الواقعة بين وادي سوس ووادي درعة شمال الساقية الحمراء بميئات الكيلومترات. لقد اظهرت الوثائق التي سلم الاطراف للمحكمة ان البلاد الواقعة شمال مدينة طرفاية تسمى بلاد السيبة، وتصل حدودها الى غاية وادي نون شمالا وتشمل وادي درعة وايفني، وكلمة سيبة تعني عدم وجود حكم او نظام.
وبموجب هذه الوثائق يصبح المغرب ملزما باثبات حكمه تاريخيا على البلاد الواقعة شمال بلاد السيبة، قبل ان يفكر في المطالبة بالصحراء الغربية. حسب المغرب، دائما، فإن سكان بلاد السيبة لم يعارضوا حكم السلاطين، وهذا في حد ذاته يطرح تساؤلا مُهما، وهو مالعلاقة بين عدم معارضة سكان بلاد السيبة للسلاطين وتبعية الصحراء، كأرض، تاريخيا وقانونيا للمغرب.؟
وجاء في نفس الوثائق ان بعض سكان الصحراء الغربية الرُّحل كان يصل في تنقله الى ارض السيبة، لكن إذا كان ذلك وقع فعلا فما علاقته بارض المغرب الذي لاتتعدى حدوده تاريخيا وادي سوس جنوبا.؟
لقد كان من واجب المحكمة ان تبحث اولا عن ادلة يثبت بها المغرب ملكيته اولا لبلاد السيبة الواقعة بين وادي سوس ووادي درعة قبل ان تبحث عن ادلة تثبت بها تبعية الصحراء الغربية تاريخيا للمغرب.؟    
والان نقرأ نصوص المعاهدات التي تؤكد ان البلاد الواقعة بين وادي سوس ووادي درعة ليست داخلة ضمن خارطة المملكة المغربية تاريخيا، وبدلا ان تثبت هذه الوثائق ان الصحراء الغربية جزء من المغرب، أثبتت ان أرض السيبة ليست جزءا من المملكة المغربية.
اولا: معاهدة مراكش بين المغرب واسبانيا وهي معاهدة قصيرة نقرأ منها النص الحرفي التالي الذي يتضمن تحذيرا من ملك المغرب الى ملك اسبانيا:" ان جلالته يمتنع عن مشاورة الملك الكاثولوكي فيما يخص المنشأت التجارية التي يريد إقامتها جنوب وادي نون،لإن جلالته غير مسؤول عن الاحداث والمناوشات التي قد تحدث هناك، لإن سيادته - ملك المغرب- لا تصل الى هذه المنطقة، ثم ان سكان هذه المناطق هم بدو غلاظ طالما سببوا خسائر لسكان جزر كناريا وأسروهم."
- ثانيا: معاهدة مكناس يوم 1مارس 1799م بين المغرب واسبانيا، ومنها نقرأ المقطع التالي الذي هو روح المعاهدة:" لو ان بعض السفن الاسبانية غرقت قرب وادي نون او ماجاوره، وهي المناطق التي لايمتلك الملك المغربي عليها اية سيادة، فيتوجب استعمال كل الوسائل النزيهة والفعالة من أجل إنقاذ الوسائل والاشخاص الذين قد يقعون في يد سكان هذه المناطق."
- ثالثا: " المعاهدة المغربية الانجليزية يوم 13مارس 1895م ومنها نقرأ المقطع التالي حرفيا:" لن يكون من حق اي احد ان يطالب بالاراضي الواقعة بين وادي درعة وبوجادور، اما الاراضي الواقعة شمال ذلك فتنتسب للمغرب تقريبا."
وحتى لايذهب بنا القانون بعيدا في متاهته، فإن هذه الوثائق العالمية المحفوظة لا تثبت اية سلطة تاريخية للمغرب على المنطقة الواقعة بين وادي نون ووادي درعة، إذ لايوجد فيها تلميح ولو بالاشارة الى الحدود الشمالية الصحراوية، وحتى اقليم طرفاية لم يذكر فيها، ومع هذا ناقشتها المحكمة كوثائق مقدمة على اساس ملكية المغرب "التاريخية" للصحراء، بينما هي في الحقيقة لم تثبت أكثر من ان هناك منطقة واسعة بين المغرب والصحراء الغربية لم تدخل تاريخيا ضمن الخارطة المغربية.
بعيدا عن الوثائق حدث خلط اخر في مراسلات المحكمة.. ففي المرسوم الصادر عنها بتاريخ 22ماي 1975م، اكدت المحكمة انه طبقا لقرار 3292 فقد ظهر لها ان هناك خلاف قانوني بين اسبانيا والمغرب، وطبقا للمادتين 31و 68 من قانون المحكمة، فإن المغرب قد استوفى كل الشروط، وأصبح بامكانه ان يعين قاضي مؤقت، بينما لم يظهر لها ان هناك خلاف بين موريتانيا واسبانيا وهذا يقصي موريتانيا قانونيا من تعيين قاضي مؤقت امام المحكمة الدولية، ومع هذا قُبل منها ان تعين القاضي الفونسو بوني.
المشكلة الاخرى التي لم تضعها المحكمة ولا الامم المتحدة في الحسبان، هي انه ورد في القرار 3292 عبارة: ماهي الروابط القانونية للصحراء الغربية مع المغرب والمجموعة الموريتانية .؟
وحتى تكون هناك روابط قانونية بين الصحراء الغربية وموريتانيا يجب ان تكون موريتانيا، غداة استعمار الصحراء من طرف اسبانيا، دولة ذات سيادة يسيطر فيها القانون، حتى يمكن استعمال عبارة روابط قانونية، لكن انذاك لم تكن السلطة مركزية في موريتانيا كدولة او امارة او مملكة، بل كانت عبارة عن إمارات قبلية لاتعرف الحكم المركزي، وبهذا فعبارة روابط قانونية هي عبارة ملغاة كتحصيل حاصل لغياب السيادة في موريتانيا، اما مصطلح المجموعة الموريتانية الذي جاء في القرار فهو مصطلح جديد. ففي اثناء المداولات فاجأ القاضي بترين ممثل موريتانيا في المحكمة وسأله، متى استعمل مصطلح المجموعة الموريتانية اول مرة.؟ وحتى ممثل موريتانيا انبهر ولم يعرف الاجابة وطلب تاجيل ذلك الى جلسة اخرى، ولم يجب الا بعد خمسة عشر يوما من طرح السؤال وكانت اجابته كالاتي: ان مصطلح المجموعة المريتانية هو مصطلح جديد استعمل اول مرة امام الجمعية العامة سنة 1974م، اما موريتانيا فكانت تحمل اسم بلاد شنقيطي."
بالنسبة للقضاة فقد أنكر القاضي الاسباني كاسترو أي وجود قانوني للمجموعة الموريتانية او وجود شخصية قانونية في موريتانيا غداة استعمار الصحراء من طرف اسبانيا، وقال ان الامر يمكن ان يكون مجرد اسطورة او خرافة وطنية جميلة.
ولم تثبت الوثائق الموريتانية والمغربية المقدمة اية سلطة تاريخية للدولتين على الصحراء غداة استعمارها او قبله او بعده. بدأت الجولة الثانية المخصصة للمداولات الشفهية واستمرت اربعة اشهر كاملة، ابتداء من 16جوان 1975م الى غاية 16كتوبر 1975م . حاول المغرب وموريتانيا ان يقوما بعمليات تزوير كبيرة للكثير من الوثائق وأخلا بالترجمة في الكثير من الاحيان حتى تكون على مقاسهما، وفصًلا الكثير من النصوص وحوراها.. ففي جلسة 28جويلية 1975م يكتشف ريئس المحكمة ان المحامي المغربي يكذب فيما يدعي. كان يستشهد بملف مكتوب باللغة الاسبانية، لكن من حسن الحظ ان القاضي كان سبق له ان اطلع عليه، فاكتشف ان المحامي المغربي يزور المعلومات مما جعل رئيس المحكمة يطرح عليه السؤال التالي: هل هذا الملف الذي تتحدث عنه سبق ان نشر من قبل.؟
-ممثل المغرب: نعم انه منشور عن دار طباعة في مدريد.
- رئيس المحكمة: لكن كل ما ذكرت من معلومات غير موجود فيه. هل نزع منه.
- ممثل المغرب: هل استطيع ان استعيده.؟
- ريئس المحكمة: لاتستطيع. واصل تدخلك.
- احد القضاة يتسال عن خطأ في القرار 3292(د29):
يوم 6 غشت 1975م يبعث القاضي بترن بسؤال الى الامين العام هذا نصه:" اثناء مرافعة قضية الصحراء امام محكمة العدل الدولية، تولد سؤال يتعلق بمحتوى القرار 3292 الذي تبنته الجمعية العامة يوم 13ديسمبر1974م. هناك نص غير رسمي لهذا القرار بُعث الى سيكريتارية المحكمة بواسطة تلغرام من طرف المستشار القانوني للامم المتحدة بتاريخ 14ديسمبر 1974م. في هذا النص جاء المعيار التاسع كالاتي:" ترى الجمعية العامة ان هناك جدل قانوني ظهر اثناء نقاشات موضوع النظام الذي كان سائدا في الصحراء الغربية غداة استعمارها من طرف اسبانيا، والحال هذه يلاحظ ان النص" طبق الاصل" ارسل من طرف الامين العام الى ريئس المحكمة يوم 17ديسمبر 1974م لكن عبارة" جدل قانوني" في المعيار التاسع تم استبدالها بعبارة " صعوبة قانونية" وحين نعود الى نص القرار الذي صادقت عليه الجمعية العامة نجد فيه عبارة" جدل قانوني" ويبدو ان هذا غير واضح.
- اثناء نقاشات المحكمة وحين طرح القاضي هذه الملاحظة، تدخل ممثل المغرب ليقول، ان الامر مجرد خطأ طبعي.
والواقع ان الخطأ يمكن ان يكون في نقطة او فاصلة او اشارة، لكن ان يكون في عبارة تُغيير المعنى وبلغتين فهذا يطرح اسئلة عديدة.
- في رده على سؤال القاضي كتب الامين العام يوضح:" ان الامين العام للامم المتحدة يوضح ان النص الاصلي هو الذي يحمل عبارة "جدل قانوني " وهو الذي تبنته الجمعية العامة بدون تعديلات بناءا على مشروع اللجنة الرابعة. انه من المؤسف ان يحدث اختلاف بين النص الذي وزعه المستشار القانوني والنص الذي بعثه الامين العام والناتج عن خطأ مطبعي ."
وهكذا استمر ت جلسات المحكمة الى ان أتت على نهايتها بعد خمسة شهور من المداولات التي تخفي وراءها الكثير.

 الراي الاستشاري لمحكمة العدل الدولية:
يوم 16كتوبر 1975م قدمت محكمة العدل الدولية رأيها الاستشاري وعرضته للتصويت بعد يوم واحد من تقديم بعثة تقصي الحقائق لتقريرها الذي كان واضحا ولا ضباب دونه. كان الراي الاستشاري انتصار ساحق للتاريخ والقانون والقضية الصحراوية رغم كل ماحدث في كواليس المحكمة. حاولت المحكمة ان تجتهد وتقدم اجابة على الاسئلة التي وردت في القرار 3292. بالنسبة لإجابة الجزء الاول من السؤال كانت اجابة المحكمة كالاتي:" ان المعلومات التي قدمت للمحكمة توضح انه غداة استعمارها، من طرف أسبانيا، كانت الصحراء الغربية مسكونة من طرف سكان، ورغم انهم كانوا بدو الاً انهم كانوا منظمين سياسيا واجتماعيا تحت سلطة مسؤولين منهم لهم صلاحية تمثيلهم، وتوضح هذه المعلومات ايضا انه غداة استعمار الصحراء، فإن اسبانيا لم تبسط نفوذها على ارض بدون سيد . ففي المرسوم الملكي الصادر 26ديسمبر 1884م يؤكد ان الملك الاسباني بسط حمايته على وادي الذهب بناء على اتفاقيات مع مسوؤلي السكان المحليين."
وتم التصويت على الجزء الاول من السؤال وكانت النتيجة 13صوتا بالايجاب واثنان بالسلب وهما بوني ورودا.
عند هذا الحد كان يجب ان تنتهي القضية دون زيادة الذيول القانونية للصحراء الغربية مع المغرب والمجموعة الموريتانية التي تم ابتداعها لتعقيد الامور. اما الجزء الثاني من السؤال والمتعلق بالروابط القانونية مع المملكة المغربية والمجموعة الموريتانية فاجابت المحكمة كالاتي:" ان الاستنتاجات التي خرجت بها المحكمة بالرجوع الى المعاهدات الداخلية الخاصة بسيادة المملكة المغربية، وكذا المعاهدات الدولية، فإنها، كلها، بالاتفاق لم توضح وجود اية رابطة قانونية في تلك المرحلة بين المملكة المغربية والصحراء الغربية."
كان ذلك كافيا لنفي وجود اية رابطة سيادة للمملكة المغربية على الصحراء الغربية، لكن المحكمة، وبحثا منها عن كيفية تاخذ بها العصا من المنتصف، لم تترك رأيها نزيها ناصعا بل ذيلته بخاتمة تعتبر لطخة سوداء ستبقى بمثابة وشم يلوث سمعة القضاء الدولي. في خاتمة الاجابة على الجزء الثاني من السؤال كتبت المحكمة مايلي:" في نفس الوقت فإن بعض ما توصلت اليه المحكمة من وثائق يرى ان هناك مايشبه رابطة ولاء بين القليل والقليل فقط من السكان مع السلطان.
في هذه الخاتمة احدثت المحكمة الانقلاب على نفسها بنفسها، فحين كان السؤال واضحا، ويدور حول الروابط القانونية بين المملكة المغربية والصحراء الغربية كأرض وليس كسكان، وأجابت عليه المحكمة بوضوح، ان لارابطة قانونية بينهما تاريخيا، فإنها قد اضافت خاتمة لاتنتمي الى صلب الموضوع ولا الى السؤال الذي يدور حول رابطة قانونية بين نظام وأرض وليس بين افراد وسلطان، لإن الولاء المزور الذي وجدته المحكمة للقليل من السكان والسلطان ليس هو الرابطة القانوية بين ارض ونظام، وحتى الوثائق التاريخية التي اطلعت عليها المحكمة لم تثبت ذلك، لكن اثبتت ان لا سلطة لنظام السلاطين على ارض السيبة، ولا على سكانها، فكيف تكون له سلطة على ارض الصحراء الغربية او سكانها.؟ اذا كان بعض سكان ارض السيبة يصلون في تنقلهم الى حدود المغرب او كانت للسلطان على بعضهم -وبعضهم فقط- سلطة فإن سكان الصحراء الغربية لم يعرفوا سلطانا ولاملكا وعاشوا حياتهم احرارا.
اما ماتعلق بالروابط القانونية بين الصحراء الغربية غدا ة استعمارها وموريتانيا فكان يجب ان لاتناقش اطلاقا، مادامت موريتانيا في تلك الحقبة لاتتوفر على سلطة مركزية قانونية، ورغم هذا فقد تمت مناقشة الادعاءات الموريتانية من طرف المحكمة، وبناءا على ذلك فقد توصلت المحكمة في استنتاجها الى مايلي:" غداة استعمارها من طرف أسبانيا لم توجد ابدا بين الصحراء الغربية والمجموعة الموريتانية رابطة سيادة او رابطة ولاء وحتى ابسط رابطة احتواء."
في نفس التقرير نجد العبارات التالية:" ان المعلومات التي قدمت للمحكمة أظهرت أنه غداة استعمار الصحراء من طرف اسبانيا، وُجِدت بعض الروابط على اساس الاصل واللغة والدين والاقتصاد بين بعض سكان الصحراء الغربية والامارات التي كان سكانها في منطقة الصحراء التي تضم الان الجمهورية الاسلامية الموريتانية والصحراء الغربية." لكن هذه ليست رابطة قانونية ولارابطة سيادة وكان يجب ان ان لا ترد في التقرير..
اثناء التصويت صوت على التقرير بمجمله 13قاضيا ضد واحد هو الفونسو بوني المعين من طرف المغرب.
لقد حاولت المحكمة تعقيد قضية بسيطة ماكانت لتأخذ كل هذا الوقت.
- اراء القضاة:
بالنسبة للقضاة الذين اشرفوا على جلسات القضية يوجد هناك اتفاق بينهم في الكثير من المسائل القانونية والتاريخية فعبارة "بقعة شاغرة" او "ارض بدون سيد" المطروحة للنقاش يرى القضاة مايلي بشانها:
- بالنسبة للقاضي اللبناني امون يرى ان الصحراء الغربية لم تكن ارض شاغرة مادامت كانت مسكونة من طرف قبائل ابرمت معاهدات مع اسبانيا غداة استعمارها للاقليم " ثم يتناقض مع نفسه ويقول" لكن هذه القبائل لها روابط قانونية مع موريتانيا والمغرب". لكن كيف تبرم القبائل معاهدات معترف بها مع اسبانيا وهي تحت سلطة المغرب او موريتانيا.؟
بالنسبة للقاضي الاسباني كاسترو فيرى ان الاقليم كان يمكن ان يكون بقعة شاغرة لكن لم تكن له روابط قانونية مع المغرب وموريتانيا او اية دولة.
بالنسبة للقاضي الامريكي ديلارد فقال ان الاقليم إذا اعتبرناه بلا سيد او مالك، فإن ذلك لايعني انه كان تحت سيادة المغرب او موريتانيا.
بالنسبة للقاضي رودا فيرى انه إذا وجدت علاقات فهي ليست قانونية اطلاقا ولاعلاقة لها بالسيادة والسؤال المطروح هو حول السيادة القانونية.
- اما القاضي توماس جالون فيري فيعلق على نتائج راي المحكمة الدولية حول الصحراء بقوله:" انها تشبه زجاجة نصفها مملؤ ونصفها فارغ."


يرجى تسجيل تعليقات ذات قيمة حتى يمكن ادراجها في الموقع الإبتساماتإخفاء