نبض التاريخ: سنة 1967م، التهيئة للاستفتاء تتحول الى تكريس للاستعمار.

Resultado de imagen de sahara occidental 1967قبل سنة 1955م كانت أسبانيا تخشى الامم المتحدة، وبعد أن أصبحت تتمتع فيها بالعضوية بدأت تتحايل عليها وانتهجت معها طريق الليونة الدبلوماسية سياسيا والقبضة الحديدية عمليا.
- ماذا قامت به اسبانيا على مستوى الفعل عموديا لتهيئة الظروف للاستفتاء في الصحراء الغربية الذي طالب به القرار 2229 للدورة 21 الصادر سنة 1966م؟
 حسب  توني هودج الكاتب البيطاني الشهير :قامت أسبانيا بمشاريع تنموية واجتماعية وقدمت إعانات مالية، وقامت بمحاولات لجلب السكان البدو الى المدن، وبتطوير التعليم في الاقاليم الصحراوية، وبدأت تحاول ان تحدث تقدما في دبلوماسيتها لإنشاء كيان سياسي صحراوي- اسباني.
والواقع ان الذي قامت به أسبانيا من تنمية هو عمل سطحي في وقت بدأت فيه الامم المتحدة تلح على ضرورة تهيئة الظروف في المنطقة لاجراء الاستفتاء. لماذا تقوم أسبانيا في ذلك الوقت بتنمية مشاريع، وتنجز ما لم تنجزه من مشاريع في مستعمراتها منذ عشرات السنوات مثلما فعل أي استعمار اخر في مستعمراته.؟
إذا كان الكثير من الدول الاستعمارية قد قام بتشييد البلدان التي كانت واقعة تحت حمايته، فإنه قام بالمقابل بتدمير روحي لتلك الشعوب، وعمل على إفراغها من ضميرها، وأطفأ النور في عيونها ، إلاً ان اسبانيا شكلت أستثناءا من هذه القاعدة، إذ عملت على تدمير روح المجتمع الصحراوي، وبالمقابل لم تحرك ساكنا لبناء اجورة واحدة في ارضه ماعدا بناء قرية العيون باسم مدينة سنة 1940م، كما أقامت بعض الحراسات عند مصادر المياه، وهو الامر الذي دفع الصحراويين الى وصف الاستعمار الأسباني بابخل استعمار في الارض.
بعد صدور القرار الاممي 2229 تحركت اسبانيا تحركا مكثفا في المنطقة، بعد ان أمهلتها الامم المتحدة لكي ترتب شؤون الخيمة الصحراوية في انتظار تقرير المصير، ولم تكن المهلة محددة سوى بعبارة أسرع وقت ممكن وهذا في حد ذاته تساهل اممي. في مهلة الانتظار هذه قام الاستعمار الأسباني ببعض المحاولات لتعمير الصحراء الغربية " إذ ارتفع عدد الصحراويين الذين يعيشون في المدن الكبيرة بين سنوات 67-74 الى نسبة 40بالمائة من بينهم 55 بالمائة شملهم الاحصاء الاسباني."*
قامت أسبانيا منذ سنة 1966م باستدراج السكان الى المدن بعد ان فرضت عليهم الحصار، ومنعتهم من التعامل مع الخارج، خاصة الجزائر وموريتانيا، وقفلت الحدود بالجيش في وجههم، ووضعت حراساتها العسكرية عند كل مدخل، وفرضت عليهم التعامل معها هي وحدها. فتحت الاسواق في المدن، وأحدثت حصارا رهيبا في كل المجالات، فاضطر الصحراويون تحت مظلة الحصار الى العودة الى المدن، وبالموازاة مع ذلك شنت عملية نهب فظيعة للمعادن، ومدت أطول حزام ناقل للفسفاط في العالم، اسمه الحزام الدوار، يمتد من بوكراع الى العيون، ويعمل باستمرار دون توقف، ليل نهار، وينقل كميات خيالية من الفسفاط. من جهة اخرى قامت بتقريب المستعمرة من مدريرد باعتبارها "مقاطعة اسبانية" طبقا لمرسوم 1958م .
"في سنة 1966م، دائما، اعلنت الحكومة الاسبانية عن برنامج للتنمية الاقتصادية والاجتماعية في الصحراء الغربية، واعتمدت ميزانية قدرت ب250مليون بسيطة من اجل توفير الهياكل القاعدية التي تمكن من الاستغلال الامثل للثروات الطبيعية، كما اغرقت المنطقة بالمستوطنيين الأسبان الذين بلغ عددهم 100الف وما يعادل ذلك الرقم من الجنود، وفرضت على الصحراويين توقيع وثيقة لتجديد "الحماية"  لتوطيد ربط الاقليم بمدريد"، وهي عملية مطبوخة تحت اسم استفتاء جزيء أرادت ان تتخذ منها ترسا لرفض مبدأ تقرير المصير للصحراويين ماداموا " مرتبطين قانونيا" بأسبانيا. كانت عملية الامضاءات المذكورة قد تمت تحت اسم تجديد البيعة، وهي ربط اداري للسكان باسبانيا وتحضيرهم بسيكولوجيا لتقبل التبعية لمدريد. ففي مارس 1966م قامت السلطات الأسبانية بجمع توقيع حوالي 800 رجل وارغمتهم على توقيع وثيقة تجديد الحماية لربط الاقليم بالعاصمة المتربول، واتخذت من هذه الوثيقة قرينة امام الامم المتحدة لرفض مبدأ تقرير المصير" والتحايل عليه. وعلى اساس هذا التوقيع اجرت اسبانيا" استفتاء" للموقعين على الوثيقة وطرح عليهم سؤوال واحد وهو الموافقة على الحماية الاسبانية لتزوير ارادتهم، فجاءت النتيجة 91بالمائة لصالح الحماية.
جندت أسبانيا كل قواها لتضفي الشرعية على استعمارها للمنطقة، ومن جهة اخرى حتى تبعد الاطماع المغربية المبطنة في الصحراء الغربية.. في رسالة وجهها الديكتاتور فرنكو الى الشعوب الأسبانية سنة 1966م قال:"- انها فكرة خاصة يستحقها الان سكان مناطقنا الافريقية التي تعتبر موضوع دائم يشغل بالنا. فبإرادة ثابتة قررنا ان نستمر في تطويرها بدون تاخير او تردد، اقتصاديا وتقنيا، بالقدر الذي يسمح لهؤلاء بمواجهة مستقبلهم. إن أسبانيا، وفي كل الحالات، ستدافع عن حريتهم وارادتهم في القرار الحر، لكن ايضا لن ننسى المسؤوليات التي نتحملها في هذه المناطق، فمن واجبنا ان ندافع عنها ضد أية محاولة خارجية تدعي تحطيم مستقبلها." *     
بهذا العمل دشنت أسبانيا عهدا جديدا من الاستعمار الممنهج المدني، ووفرت له كل الاسباب، خاصة ان الارض كانت خالية تماما وغير معمرة، والسكان قليلون ويعانون من تخلف تقني، والجيش يحاصر المداخل والمخارج ويقضي على مصادر الاقتصاد غير المرخصة من طرف اسبانيا.
اما سياسيا فقد متنت تبعية الادارة لمدريد، وابقت على سياسة التمثيل للمجالس البلدية، وفي سبيل تكريس سياسة التبعية، قامت بخطوة جديدة نحو إحكام طوقها السياسي حول المنطقة وسكانها، فاصدرت مرسوما يوم 19افريل 1967م انشأت بموجبه جماعة الشيوخ العامة المتكونة من 32 عضوا واعتمدت غداة انتخابها على التنظيم القبلي الذي تتم على اساسه العملية الانتخابية.
وانكشفت الخلفية السياسية من خلف زجاج كل ما قامت السلطات الاسبانية من أعمال سياسية التفافية، فهي تتصور ان شعبا صغيرا بدويا دمرت هي روحه لايستطيع ان ينفصل عنها، وانه ارتبط بها، وتشابكت بينهما العلاقات الى درجة انه لو جاء الاستفتاء فسيوصوت للبقاء تحت ادارتها وعلمها وسلطتها. وبدل ان تقوم اسبانيا بترتيب شؤون الخيمة الصحراوية انتظارا للاستفتاء قامت بالعبث فيها لإن كل ما قامت به هو تكريس للاستعمار بمنظوره الفعلي المستقبلي.


يرجى تسجيل تعليقات ذات قيمة حتى يمكن ادراجها في الموقع الإبتساماتإخفاء