المرأة الصحراوية :لبلوح ( حمية تسمين المرأة)( دراسة يتبع)


Resultado de imagen de ‫المراة الصحراوية‬‎إن عملية تسمين المرأة هو عادة شائعة ومشهورة عند النساء الصحراويات في القديم. فالبنت النحيفة الهزيلة النحلية كانت تعتبر "فضيحة" وتشويها لعائلتها وتجلب لها سخط الناس وسخط النساء على أمها بصفة خاصة. وحتى تتفادى الأم نظرة الناس المؤنبة لها ولابنتها النحلية كانت تعمد إلى إخفائها عن ألأعين وبصفة خاصة عن أعين النساء الزائرات. فإذا اكتشفت النساء أن بنتا ما هي نحيلة أكثر من اللازم يتحول الأمر إلى فضيحة، بل قد يشاع في المخيم أنها نحيلة وقد يؤجل ذلك زواجها لفترة طويلة حتى تسمن على ألأقل. حين لا تقوم الأم بما هو كافي لتسمين ابنتها تتدخل الجارات والقريبات أحيانا ويوبخن تلك الأم ويعيرنها بابنتها النحيلة ويشوهنها، وحتى لو كانت فقيرة ولا تستطيع توفير مستلزمات لبلوح، فإنها تتهم بالبخل.
وتتعرض البنات النحيلات من جهتهن لحصار من طرف باقي البنات فلا يلعبن معهن ولا يتعاملن معهن ولا يشاركنهن نشاطاتهن خوفا من تعيرهن بنحافتهن. باختصار، فإن البنت النحيلة قديما كانت تعامل مثل المجذومة أو المعدية وتبقى في عزلة دائمة.
الرجال أيضا كانوا لا يتزوجون مع النساء النحيلات. فأثناء عملية البحث عن العروس يطلب الرجل، بعد العفة طبعا، إن تكون المرأة جميلة وبدينة. وحتى تتفادى النساء " فضيحة" نحافة بناتهن يواظبن على تغذيتهن تغذية جيدة مستمرة. فحسب القول الشائع فإن" الولد الذكر لا يضره إن يبيت دون عشاء، لكن البنت يضرها كثيرا أن تبيت على الخواء."

إن المحافظة على جمال وبدانة البنت لا يقتصر فقط على التغذية، لكن يتعداه إلى الحفاظ على جمال البشرة. فمثلا، أثناء الترحال بحثا عن المرعى والماء تقوم الأمهات بوضع الستائر دون بناتهن في الهودج ويمنعن عليهن النظر إلى الخارج إلا بأمرهن. فحين تمر القافلة بمكان قحط جدب تقوم الأمهات بإسدال الستار دون البنات في الهودج حتى لا ينظرن إلى المكان المقفر. فحسب التجربة الصحراوية القديمة، إذا نظرت البنت مرات كثيرة إلى مكان قفر خالي من النباتات فإنها تقطب جبينها، وحين يتكرر تقطيب الجبين مرات كثيرة تنكمش البشرة وتنتج عن ذلك التجاعيد في الوجه مبكرا.
أما حين تمر القافلة على مكان أخضر أو وادي جميل تقوم الأم برفع الستائر عن الهودج وتطلب من بناتها أن ينظرن إلى الشجر الأخضر والجمال الطبيعي. إن النظر إلى مكان جميل يجعل الوجه ينبسط ويجعل النفس تنشرح، وكنتيجة لذلك لا تنكمش البشرة ولا تتكون التجاعيد. ففي الثقافة الصحراوية فإن الخضرة تبعد الحزن وهي ضرورية أيضا لجعل النفس تنشرح. في هذا الإطار يكرر الصحراويون كثيرا المقولة الشائعة: "ثلاثة تجلي عن القلب الحزن، الماء والخضراء والوجه الحسن." في الصيف حين تشتد الحرارة تقوم النساء بطلي وجوه بناتهن باللون النيلي؛ فهذا اللون هو واقي جيد من أشعة الشمس ويحافظ على جمال البشرة.

وبالإضافة إلى المحافظة على بشرة البنت تقوم الأم بمراقبة تغذية بنتها وحضورها والإشراف عليها بنفسها.  لكن حين لا تنفع التغذية العادية في جعل البنت تَبْدُنْ، تقوم أمها بإتباع حمية غذائية خاصة وصعبة تسمى لبلوح. إن لبلوح هو أخر دواء للبنت النحيلة حين لا تنفع معها تغذية ولا أدوية تقليدية.  إن هدف الحمية الغذائية المعنية هو جعل البنت النحيفة جميلة وبدينة حتى تكون في الصورة المثالية التي يريد المجتمع أن يراها فيها: سمينة، "تملأ ملحفتها" – مثلما يقولون- وجميلة. ويكون لبلوح شبه مفروض على البنت إذا وصلت إلى سن البلوغ دون أن يطرأ عليها أي تحسن جسدي ينبئ أنها ستكون جميلة وبدينة.
لكن إذا كان هدف الحمية الغذائية هو ما ذكرنا ( تسمين البنت النحيلة)فإن الكثير من الأمهات الصحراويات كن يقمن بالحمية الغذائية لبناتهن – سمينات أو نحيفات- على الأقل مرة في السنة، في فصل الربيع.
إن الحمية الغذائية ( لبوح) في الصحراء الغربية هي في الحقيقة عملية صعبة أو حتى يمكن أن توصف بأنها غير إنسانية. فبسبب صعوبتها تبدو أقرب إلى عملية عقابية منها إلى حمية غذائية. إن صعوبة الحمية المذكورة تجعل البنات لا يريدنها ولا يقمن بها من تلقاء أنفسهن؛ فهي من جهة صعبة، ومن جهة ثانية تعتبرها البنات عملية لتحضيرهن للزواج، وأي شيء له علاقة بالزواج لا تقوم به البنت الصحراوية قديما بمحض إرادتها وتعتبر القيام به عيبا وفضيحة وقلة حياء وطعنا في عفتها.
وأمام رفض البنت للقيام ب"لبلوح" وحدها، خوفا من كلام الناس، يفرض الأمر تدخل الأم،  بنفسها، لتشرف على العملية بكاملها.  
تقام عملية لبلوح في مكان خاص؛ تبنى خويمة صغيرة أو بَنْية( قماش ابيض يُبنى على جانب الخيمة للشبان مثلا ) وتسكنها البنت مدة الحمية الغذائية التي قد تصل إلى أربعين يوما أو ربما تطول حتى تظهر على البنت أعراض السمنة والبدانة.
إن الحمية الغذائية المخصصة للبنات ليست، طبعا، حمية ينصح بها الطبيب أو أخصائي التجميل إنما هي حمية بسيطة لكن ذات فائدة كبيرة على صحة الجسم. تتكون الحمية الغذائية المذكورة من بعض المواد الموجودة كلها في الصحراء وتعتمد أساسا على لبن الإبل والغنم وعلى اللحم والتمر وعصائد دقيق القمح والشعير. ولا يتم الاعتماد على الحمية وحدها لتحسين وضع البنت النحيلة، إنما ترافقها أجواء أخرى نفسية وبدنية. فحتى تسمن البنت تمنع عليها الحركة بالكامل ولا تغادر مكان لبلوح إلى أية جهة أخرى حتى نهاية المدة. فحسب بعض الحكايات كانت بعض الأمهات تحدث رضوضا في أرجل البنت أو تلوي كاحلها حتى لا تقوم بأية حركة.
إلى جانب إجبارية عدم الحركة أثناء عملية لبلوح توفر الأمهات لبناتهن جوا من المرح والتسلية حتى تعطي الحمية مفعولها. إن تواجد طفلة يوميا ولمدة طويلة في حبس لا تفعل أي شيء من الممكن أن لا تسمن أبدا؛ فهي بسب التفكير قد تنفق أكثر حتى لو كانت تتناول كثيرا من الطعام يوميا. إن ما لا زالت بعض الكبيرات في السن تتذكره هو أن نساء المخيم والجارات كن آنذاك يأتين يوميا لزيارة البنت في " حبسها" لتسليتها وحكي على مسامعها حكايات طريفة وجميلة تجلب إلى نفسها الرضى والمرح. وأثناء التسلية لا يجوز الحديث مع البنت عن أي موضوع جدي قد يجعلها تحزن أو تفكر مثل التربية أو التعليم. وتلجأ العائلات الغنية إلى إحضار مغنية وشاعرة إلى البنت لتسليتها والغناء لها والرقص أمامها حتى تنام.
في أول يوم من الحمية الغذائية المذكورة ( لبلوح) تدعو الأم الجارات والقريبات إلى خيمتها وتقيم لهن شبه حفلة صغيرة؛  من جهة يساعدنها على ضفر شعر ابنتها ووضع الحناء لها، ومن جهة أخرى تُشهدهن على وضع ابنتها قبل بداية لبلوح.
حين تدخل البنت المكان المخصص للحمية الغذائية تقوم الأم بوضع أساور في معصمي البنت وفي ساقيها، وتضع قلادة في عنقها. وتبقى الأساور في أيدي ورجلي البنت والقلادة في عنقها حتى تنفصل وحدها حين يزداد وزن البنت وتسمن.          

يبدأ لبلوح بشرب اللبن؛ ففي كل صباح تقدم الأم كمية من الحليب الساخن ملحوب لتوه من النوق أو من الغنم إلى ابنتها؛ عند الساعة العاشرة صباحا تقريبا يقدم للبنت التمر واللبن؛ عند منتصف النهار تأكل وجبة ثقيلة مكونة من اللحم المطبوخ المغمس في الدهن والزيت وثريدا من دقيق القمح والشعير. في المساء تأكل البنت تمرا وتشرب لبنا أيضا، ومع حلول الليل تتعشى باللحم أيضا والخبز.
مع مرور الأيام تبدأ الأم تضيف المزيد من الأكل إلى الحمية؛ كل يوم تضيف كمية إضافية حتى يصل الأمر إلى التقيؤ في غالب الأحيان أو يصل إلى درجة إن لا تصبح البنت قادرة على شرب وأكل أكثر. حين لا تستطيع البنت أن تأكل أكثر تتدخل الأم لتفرض عليها أن تأكل؛ تنهرها، تهددها، وحين لا ينفع معها أي شيء وتبدأ تبكي تستعمل الأم القوة والعصا ضدها.
ولا تنتهي الحمية إلا بعد أن يظهر واضحا إن أرجل وزُنْدْ ورقبة البنت قد كبرت وانتفخت حتى تمزقت الأساور والقلادة التي وُضعت في اليوم  الذي بدأت فيه البنت لبلوح .
حين تظهر علامات السمنة على البنت ( تمزق الأساور والقلادة بفعل ازدياد الوزن، تشقق الجلد) تقيم لها أمها احتفالا صغيرا تدعو له جاراتها وقريباتها كي تشهدهن على الوضع الجديد الذي أصبحت عليه البنت. إن استدعاء النساء إلى يوم خروج البنت من حميتها ( بلوحها) هدفه هو إن يشعن في الناس إن البنت لم تعد نحيلة ولا هزيلة، وأنها الآن لم تعد تلك البنت المنبوذة التي لا تلعب معها صديقاتها ولا ينظر إليها أحد.


يرجى تسجيل تعليقات ذات قيمة حتى يمكن ادراجها في الموقع الإبتساماتإخفاء